من سيكون رئيس كولومبيا القادم: متمرّد يساري سابق أم رجل أعمال شعبوي؟

غوستافو بيترو (يساراً) ورودولفو إرنانديز (يميناً)

النص التالي عبارة عن ترجمة لنص قدّمته في دورة اللغة الإسبانية التي أحضرها حالياً. أنا لست خبيراً في أحوال كولومبيا السياسية، والمصادر التي اعتمدت عليها لإعداد هذا النص كانت باللغة الإسبانية حصراً وبالتالي من الوارد أن أكون قد أسأت فهم بعض التفاصيل، كون مستواي في هذه اللغة متوسط على أفضل تقدير. مع ذلك قررت ترجمة ذلك النص إلى العربية ونشره في مدونتي كوني أ) لم أنشر شيئاً فيها منذ زمن بعيد، ب) معرفة العرب بأحوال أمريكا اللاتينية السياسية شحيحة، وبالتالي قد يكون النص—على بساطته—مفيداً للبعض.   

غوستافو بيترو (يساراً) ورودولفو إرنانديز (يميناً)
غوستافو بيترو (يساراً) ورودولفو هرنانديز (يميناً). المصدر: بي بي سي مندو

غداً الأحد 19 يونيو/حزيران سيتوجّه المواطنون الكولومبيون إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في بلادهم. تكتسب هذه الانتخابات أهميةً خاصةً، كونها ستأذن ببداية عهد سياسي جديد في كولومبيا، حيث سينتخب الكولومبيون للمرة الأولى رئيساً من خارج الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ استقلاله: إما متمرّد شيوعي سابق أو رجل أعمال شعبوي على طراز ترامب.

المتمرّد الشيوعي السابق هو غوستافو بيترو، والذي فاز بأعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى (حوالي 40%). هو خبير اقتصادي وزعيم “العهد التاريخي”، وهو ائتلاف من أحزاب يسارية تطالب بالعدالة الاجتماعية، حماية البيئة، دمج الأقلّيات العرقية والسكّان الأصليين، بالإضافة إلى المساواة بين الجنسين. يُوصف بيترو بأنه ذكي، مجتهد، وذو شخصية انطوائية. ولكن يصفه البعض أيضاً بأنه تسلّطي يتعسّر عليه العمل الجماعي.


صورة لبيترو عندما كان متمرّداُ في حركة م-19. المصدر: بي بي سي مندو

كان غوستافو بيترو عضواً في حركة م-19 (أو حركة 19 نيسان/أبريل)، وهي حركةّ اشتراكية مسلّحة اكتسبت سمعةً سيئةً لقيامها باقتحام القصر العدلي في العاصمة الكولومبية بوغوتا عام 1985، بدعمٍ مزعوم من تاجر المخدّرات الشهير بابلو إسكوبار. منتقدو بيترو يقارنونه بالرئيس الفنزويلي الاشتراكي الراحل هوغو شافيز، محذّرين من أن سياساته الاقتصادية ستكون قفزة في المجهول، وقد تعود بنتائج كارثية على الاقتصاد الكولومبي.

إذا تم انتخابه، سيقوم بيترو بتوسيع برامج الدعم الاجتماعي، تأميم أجزاء من صناديق التقاعد، زيادة الضرائب على الأكثر ثراءً، وإطلاق تحوّل شامل في مجال الطاقة يتضمّن وقفاً لجميع مشاريع النفط في البلاد. يقدّم هذا البرنامج بلا شك مشروع تحول سياسي ثوري، خصوصاً في بلد معروف بثقافته المحافظة ككولومبيا. فعلى عكس بقية بلدان أمريكا اللاتينية، لم تعرف كولومبيا في تاريخها زعيماً يسارياً. في الحقيقة، في المرة الوحيدة التي كان فيها أحد السياسيين اليساريين على وشك الفوز في الانتخابات الرئاسية (كان ذلك عام 1948)، تمّ اغتياله.


الزعيم اليساري الكولومبي خورخي إليسير غايتان اغتيل قبيل فوزه المتوقع في الانتخابات الرئاسية عام 1948. المصدر: ويكيميديا

لذلك يعتقد بعض المراقبين أن الكولومبيين إذا أرادو تجاوز الطبقة السياسية الحاكمة في بلادهم، فإنهم سيلجأون إلى شخصية محافظة عوضاً عن شخصية تقدّمية، لأنّه كما يقول المثل المحلّي: القبيح الذي تعرفه أفضل من الحسن الذي تجهله.

خصم بيترو في هذه الجولة هو رودولفو هيرنانديز، وهو رجل أعمال في السابعة والسبعين من عمره، جنى ثروته من مشاريع الإسكان الاجتماعي. ليس لدى هيرنانديز فعلياً أي برنامج انتخابي ولم يقدّم أية مشاريع سياسية محدّدة. بل كان يرفض حتى وقتٍ قريب إجراء أي مناظرة سياسية مع منافسه في الانتخابات الرئاسية، والذي من الممكن تفهّمه نظراً لعدم قدرته على التمييز بين هتلر وأينشتاين (في إحدى المقابلات ذكر هيرنانديز بأنه من أتباع مفكّر ألماني يدعى “أدولف هتلر” ولكنه اعتذر لاحقاً قائلاً أنه كان يقصد ألبرت أينشتاين). حملة هيرنانديز الانتخابية تعتمد بشكل رئيسي على نشر فيديوهات ترفيهية على تيك توك مع إطلاق وعود بتنظيف الإدارة الحكومية من الفساد، علماً أن هيرنانديز نفسه يخضع للتحقيق بشبهات فساد ارتكبها أثناء شغله منصب عمدة مدينة بوكارامانغا. هيرنانديز يدّعي بأنه قادر على حلّ مشاكل كولومبيا كونه رجل أعمال ناجح، مما دفع الكثيرين لاعتباره نسخة كولومبية من دونالد ترمب.

@ingrodolfohernandez

¡Nos vamos pa’l Palacio de Nariño. Voy a ser su presidente😎! #rodolfohernandez #LigaAnticorrupcion

♬ sonido original – Ing Rodolfo Hernández
أحد فيديوهات هيرنانديز الدعائية على تيك توك

على الرغم من أن حصّة هيرنانديز من الأصوات في الجولة الأولى تقلّ بـ 12% عن حصّة بيترو، إلا أن “المهندس” (كما يعرف هيرنانديز لدى أنصاره) يأمل بأن الكولومبيين الذين صوتوا لليمين التقليدي في الجولة الأولى (ونسبتهم حوالي 24%) سيصوتون حتماً ضدّ مرشح يساري ذو برنامج راديكالي من وجهة نظرهم.

بيترو من جهته يحاول طمأنة أصحاب الأعمال المتخوفين من سياساته الاقتصادية بالتأكيد على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية من أجل الاستقرار الاقتصادي. فمن غير الممكن زيادة النمو الاقتصادي وزيادة أرباح الشركات على نحوٍ مستدام مادام قسم كبير من الشعب الكولومبي يتضوّر جوعاً. كما أن إتاحة التعليم الجامعي لجميع الشباب الكولومبي ليس ترفاً، بل ضرورة من أجل توفير الموارد البشرية المؤهلة التي ستساهم في زيادة إنتاجية الشركات وبالتالي زيادة التنمية الاقتصادية.

خطاب بيترو بعيد إعلان نتائح الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية

تحديث 20 يونيو/حزيران 2022:
تم الإعلان صباح اليوم عن فوز غوستافو بيترو بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية حاصلاً على قرابة 11,2 مليون صوتاً (أكبر عدد من الأصوات يحصل عليه مرشح رئاسي في تاريخ كولومبيا)، وهو ما يعادل حوالي 50,5% من المصوّتين في تلك الجولة، في حين حصل منافسه رودولفو هيرنانديز على 47,3% من الأصوات. رغم أن هيرنانديز يشابه دونالد ترمب في نقاط عديدة، إلا أنّه يختلف عنه على الأقل في تقبّله للهزيمة واحترامه لنتائج العملية الانتخابية. بذلك تكون كولومبيا قد أتمّت “تغييراً حقيقياً” (بحسب تعبير بيترو) وانتخبت للمرة الأولى رئيساً يسارياً فضلاً عن أول نائبة رئيس من الكولومبيين ذوي الأصول الأفريقية: فرانسيا ماركيز. ماركيز تخرجت من كلية الحقوق قبل عامين فقط بعد سنوات عديدة قضتها ناشطةً في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، فضلاً عن اضطرارها للعمل كعاملة في مناجم الذهب وكخادمة منزلية من أجل كسب عيشها والإنفاق على دراستها.


فرانسيا ماركيز برفقة بيترو لدى إعلان فوزهم برئاسة كولومبيا. المصدر: نيو ورلد نيوز

One thought on “من سيكون رئيس كولومبيا القادم: متمرّد يساري سابق أم رجل أعمال شعبوي؟

  1. […] من الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الكولومبية تدوينة عن المتنافسين فيها. الآن وبعد يوم من إعلان النتائج، […]

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s