الجلسة الثالثة – ازدهار الصحافة العربية في بيروت ومصر

الغاية من هذه الجلسة تقديم نماذج من محتويات الصحف البيروتية والمصرية التي ازدهرت في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وذلك بهدف إطلاع الدارس على المواضيع التي تناولتها واللغة التي استخدمتها والأسلوب الذي قدّمت به نفسها. كما تعالج هذه الجلسة الأثر الذي تركته تلك الصحف، وخاصة العلمية-الأدبية منها، على مفهوم الحداثة في العالم العربي.

النصوص المقررة:

Sheehi, S. (2005), “Arabic Literary-Scientific Journals. Precedence for Globalization and the Creation of Modernity”, Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East, Vol. 25 No. 2, pp. 439–449

البستاني، بطرس (1870) “إعلان“، في الجنان، مجلد 1، ع 1، مطبعة المعارف، بيروت.

(1870) “العادة“، في الجنان، مجلد 1، ع 1، مطبعة المعارف، بيروت، ص 32.

(1880) “الحرية“، في ثمرات الفنون، مجلد 6، ع 284، ص 1.

النديم، عبد الله (1994 [1881]) “عربي متفرنج“، في التنكيت والتبكيت، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 41-42.

صنوع، يعقوب (1878) “محاورة بين أبي نظارة وأبي خليل في شانزيليزيه“، في رحلة أبي نظارة، مجلد 1، ع 10، ص 37-40.

لتحميل النص، إضغط على الرابط المرفق بالعنوان.

الصحافة العلمية-الأدبية ومهمة نقل العالم العربي إلى “العصر الجديد”:

يعالج اسطفان شيحا (أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية ويليام أند ماري، فرجينيا) في مقالته المذكورة أعلاه الدور الذي لعبته الصحافة العربية في بيروت ومصر في نشر مفاهيم الحداثة في العالم العربي. يتناول شيحا بشكلٍ خاص الصحف “العلمية-الأدبية”، كالجنان والمقتطف والهلال (التي مرّ ذكرها في الجلسة السابقة)، والتي كانت تركّز في محتوياتها على المواضيع الثقافية والعلمية أكثر من الأخبار والتطورات السياسية الجارية.

بحسب شيحا فإن أصحاب هذه الصحف كانوا من المتأثرين بفكر مشروع التنظيمات الإصلاحي في الدولة العثمانية، الذي كان قائماً على أساس إيمانٍ راسخٍ بمفاهيم التقدّم الوضعية positivist، حيث ركب الحضارة البشرية عبارة عن مسار خطّي متّجه نحو الأعلى. على رأس هذا الخط تتربّع أوروبا، فيما يقبع الشرق بعيداً في الوراء متخلّفاً عنها. لذلك فقد أخذت هذه الصحف على عاتقها مهمة دفع العرب عبر مسار الحضارة الخطّي هذا ليلحقوا بما كانوا يسمّونه بالعصر الجديد أو العصر الحديث، الذي كانت قد أرست أسسه أوروبا في القرون القليلة السابقة. من أجل إنجاز عملية اللحاق الحضاري هذه، إن صحّ التعبير، عملت تلك الصحف على بثّ روح العصر Zeitgeist في العالم العربي عن طريق تعريف القارئ العربي بآخر الاكتشافات العلمية والأنظمة السياسية والاقتصادية والإنتاج الثقافي في العالم الغربي، فضلاً عن تهذيب عقله بآداب اللغة العربية الرفيعة.

1874_Al-Jinan copy_387

صفحة من مقالة علمية في صحيفة الجنان (ع 10 سنة 1874)

هاجس الشعور بالتأخر مقارنةً بأوروبا والرغبة باللحاق بالعصر الجديد تبدو واضحة من عناوين مقالات سليم البستاني، محرّر صحيفة الجنان، خاصة في سنتها الأولى: “لماذا نحن متأخرون؟” (ص12-14)، “روح العصر” (ص 385-388)، “الأمس” (ص 641-648)، “الغد” (ص673-678)

يحاول شيحا في مقالته أن يبرهن—معتمداً على نظرية بينيديكت أندرسون الشهيرة عن دور الصحافة في تشكيل المجتمعات المتخيلة—أن الصحف العلمية-الأدبية في لبنان ومصر قد أنتجت الشروط الاجتماعية والسياسية والثقافية للحداثة في العالم العربي، وذلك عبر الطرق التالية:

1. قدّمت هذه الصحف مساحةً للحوار والنقاش حول قضايا كثيرة تنتمي إلى صميم مفهوم الحداثة، كالنظم الاقتصادية (الرأسمالية، الاشتراكية، إلخ)، مفهوم المجتمع (أو الهيئة الاجتماعية كما كان يعرف في ذلك الوقت)، مفاهيم التطور والتقدم، وغيرها الكثير.

2. بفضل انتشارها الواسع وتوجهها الذي يتجاوز المناطقي أو المحلّي إلى العالم العربي أجمع، فقد تمكّنت هذه الصحف من إنتاج مفهوم مجتمع عربي متخيّل ومفاهيم جديدة للذاتية subjectivity العربية. فلم يقتصر استهلاك هذه الصحف على المدن الرئيسية وعلى القلّة المتعلّمة، بل امتدّ إلى القرى النائية وإلى غير المتعلّمين، الذين اطّلعوا على محتوياتها عندما كانت تُقرأ في الأماكن العامة كالمقاهي.

3. إدخال أنماط أدبية حديثة إلى اللغة العربية، كالمسرح والرواية بل حتى الإثنوغرافيا (وصف الأعراق). فأولى الروايات العربية قد نشرت مسلسلةً في تلك الصحف، كما كان يفعل سليم البستاني في الجنان، حيث كان يخصص الصفحات الأربع أو الخمس الأخيرة من كل عدد لنشر رواياته بمعدّل رواية كل عام تقريباً.

4. تحديث اللغة العربية، فقد لعبت هذه الصحف دوراً كبيراً في نشوء العربية الفصحى الحديثة، ونشوء نمط جديد من الكتابة عرف بـ “لغة الجرائد” (إبراهيم اليازجي) أو “الأسلوب التلغرافي” (محمد كرد علي).

1874_Al-Jinan copy_147

صفحة من مقالة إثنوغرافية في صحيفة الجنان عن بعض طقوس كهنة الهندوس (ع 4 سنة 1874)

بحسب شيحا، فإنه مع نهاية القرن التاسع عشر لم يعد حتى أكثر نقّاد الصحف قادرين على تجاهلها، مما يدل على أنها قد أصبحت الوسيلة الأكثر انتشاراً للتعبير عن الآراء السياسية والاجتماعية والثقافية في العالم العربي.

اسم الصحيفة

تأسست عام

مكان الصدور

عدد المشتركين (العام)

المقتطف

1876

بيروت/القاهرة

3000 (1892)

الهلال

1891

القاهرة

5000 (1892)

المنار

1898

القاهرة

500 (1902)

الجامعة

1899

الاسكندرية

500 (في الولايات المتحدة فقط 1906)

أعداد المشتركين في بعض الصحف العلمية-الأدبية العربية في نهاية ق 19/ بداية ق 20 (المصدر: شيحا).

 

مقتطفات من الصحف العربية في بيروت ومصر:

1. “إعلان” بقلم بطرس البستاني الذي ظهر في أول عدد من الجنان يشرح فيه الغاية من تأسيس الصحيفة، وهو “تنشيط المعارف وتقوية أركانها بين الجمهور” فضلاً عن “إحياء اللغة وتحسينها والمحافظة على الاتفاق فيها بين أهلها”. كما يشرح أسلوب نشرها وتسويقها وكيفية الاشتراك بها وكلفة الإعلانات فيها. فيذكر أن العدد الأول قد وزّع سلفاً من أجل تشجيع القرّاء على الاشتراك بها.

2. “العادة” من نفس العدد من الجنان عبارة عن نص قصير لا يخلو من السخرية يتحدّث عن عادة غريبة لدى “الإفرنج”، خاصة نساءهم، وهي تغيير أزيائهم لاتباع ما يلبسه الآخرون [أي مفهوم الموضة بالمعنى الحديث].

3. “الحرية” نص غير موقّع من صحيفة ثمرات الفنون (بقلم محرر الصحيفة عبد القادر القباني على الأرجح) يعرّف فيها الحرية بأنها حرية القول والعمل بما لا “يخالف شريعة البلاد ومصلحتها العمومية ويخل بشيء من المذهب والدين”. النصّ يؤكّد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن في تحمّل مسؤولياته، وعلى تساويهم “مطلقاً” في الحقوق والأحكام. كما يؤكّد أن عصور الاستبداد والظلم قد ولّت بعد أن أرسى السلطان الراحل عبد المجيد والسلطان الحالي عبد الحميد مبادئ الحرية والمساواة، ولكن ما زالت بعض الحقوق غير كاملة بسبب بغي [بعض المسؤولين] المستبدّين.  

4. “عربي متفرنج” عبارة عن حكاية قصيرة بقلم الأديب والصحفي المصري عبد الله النديم يتناول فيها قصة ولد اسمه زعيط، كان يسرّح الجاموسة إلى الغيط ويسوق الساقية كبقية أبناء الفلاحين، إلى أن أرسله أبوه لإحدى المدارس الحكومية، التي ابتعثته بدورها للدراسة في أوروبا. ولكن لدى عودته إلى أهله في مصر، أصبح يرطن بالفرنسية، ويتكبّر على أهله وثقافتهم، حتى أنه بات يأنف تناول البصل. فأصبح، بحسب النديم، كالحجل الذي أراد تقليد الغراب في مشيته، فلا هو نجح بذلك ولا عاد قادراً على العودة إلى مشيته الأصلية.

5. النص الأخير حوار هزلي باللهجة المصرية بقلم الصحفي المصري-اليهودي الساخر يعقوب صنوع المعروف بـ “أبي نظارة”. نشر النص في صحيفة رحلة أبي نظارة التي أصدرها صنوع من باريس بعد اضطراره إلى مغادرة مصر بسبب اشتداد الرقابة هناك. يدور الحوار بين شخصين هما “أبو خليل” و “أبو نظارة” ويتناولان فيه الفساد المنتشر في الحكومة المصرية وتآمر بعض كبار أعضائها مع الإنجليز والفرنسيين.

Abu-Nazzarah_cover

“شرم برم حالي غلبان”، من غلاف عدد صحيفة رحلة أبي نظارة المذكور أعلاه

الجلسة القادمة والأخيرة ستعالج موضوع الرقابة على الصحف.

 

One thought on “الجلسة الثالثة – ازدهار الصحافة العربية في بيروت ومصر

  1. […] الجلسة القادمة ستتناول مقتطفات من أهم الصحف التي صدرت في لبنان ومصر في القرن التاسع عشر مع مناقشة لأهميتها في تشكيل مفهوم الحداثة عند العرب. […]

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s