هذه الجلسة تتناول قضية الخلافة من وجهتي نظر مختلفتين تماماً، الأولى لعلي عبد الرازق الذي قال بأنها مؤسسة سياسية لا دينية، والثانية لتقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير، الذي اعتبر قيامها فرضاً على المسلمين جميعاً. المحاضرة ستتناول نشوء الطائفية في سوريا ولبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أثناء الحكم العثماني، وفي فترة الانتداب الفرنسي.
النصوص المقررة:
علي عبد الرازق (2000) “الكتاب الثالث: الخلافة والحكومة في التاريخ”، في الإسلام وأصول الحكم: دراسة ووثائق، تقديم محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ص 168- 182. للتحميل إضغط هنا
تقي الدين النبهاني (2002) الدولة الإسلامية، الطبعة السابعة، دار الأمة، بيروت، ص 212-237. للتحميل إضغط هنا
المحاضرة: نشوء الطائفية في سوريا ولبنان:
Makdisi, Ussama (2016) “The Invention of Sectarianism in the Modern Middle East”, Lecture delivered at the Sectarianism, Identity and Conflict in Islamic Contexts: Historical and Contemporary Perspectives Conference, George Mason University, 15 April. لمشاهدة المحاضرة على يوتيوب إضغط هنا
يمكن أيضاً الاطّلاع على نص مختصر لمقدسي مُترجم إلى اللغة العربية.
White, B. (2007), “The Nation‐State Form and the Emergence of ‘Minorities’ in Syria”, Studies in Ethnicity and Nationalism, Vol. 7, No. 1, p. 64–85. للتحميل إضغط هنا
النص الأول يعود لعلي عبد الرازق (1888-1966)—خريج الأزهر الذي درس لفترة في جامعة أوكسفورد—ومأخوذ من كتابه الإسلام وأصول الحكم، والذي يعد من أهم ما كتب عن مفهوم الخلافة في القرن العشرين وأكثرها جدلاً. الكتاب صدر عام 1925 بعيد إعلان مصطفى كمال أتاتورك إنهاء الخلافة العثمانية، وفي الوقت الذي طرح فيه بعض الحكام العرب—وعلى رأسهم الملك فؤاد في مصر—نفسه كوريث محتمل لهذا اللقب التاريخي.
أثار النص ضجّةً كبيرة في الأزهر، والذي قرّر تجريد عبد الرازق من إجازته العلمية. رشيد رضا من جهته زاود على الأزهر واتهم عبد الرازق بالردّة، على الرغم من أن مقولات الأخير تنسجم مع آراء أستاذه محمد عبده الإصلاحية التي تنزع نحو اعتبار الخلافة سلطة مدنية مستقلة عن السلطة الدينية. الهجوم امتد إلى القوى السياسية المحافظة المؤيدة للملكية والقصر نفسه الذي عمد إلى الضغط باتجاه محاكمة الكاتب وتجريده من مناصبه الحكومية، حتى بعض الليبراليين من أمثال سعد زغلول وقفوا ضد الكتاب من أجل حسابات سياسية ضيقة. الأمر تطوّر إلى أزمة سياسية كبرى أطاحت بالإئتلاف الحكومي آنذاك. من الجدير بالذكر موقف الإنجليز من الأزمة التي أثارها الكتاب، فقد فضّلوا الوقوف على الحياد بدلاً من دعم حلفائهم في حزب الأحرار الدستوريين الذي دعم عبد الرازق، وذلك حفاظاً على ورقة الخلافة التي كانوا يريدون إبقاءها في أيديهم في حال احتاجوا إلى استخدامها (أنظر مقدمة عمارة، ص 35-40).

علي عبد الرازق (المصدر: ويكيبيديا)
يحاجج عبد الرازق في هذا النص بأن الرابطة التي جمعت المسلمين في عهد النبي محمد كانت رابطة دينية خالصة لم تحمل أي جانبٍ من جوانب الحكم أو السياسة، وأن ما يوصف بأحكامٍ شرعيةٍ جاء بها الرسول أو مظاهر للحكم أو الدولة في عهده لا يشكّل إلا جزءاً يسيراً مما يمكن اعتباره نظام سياسي حقيقي، وأن الغاية منه كان تثبيت الرسالة وتأييد الدعوة وليس التأسيس لنظام “حكم إسلامي.” الرسول نفسه—بحسب عبد الرازق—لم يشر في حياته إلى ما يمكن تسميته بـ “دولة إسلامية”، وأن صورة الدولة الإسلامية المتكاملة التي أقامها الرسول ليست إلا اختراعاً متأخراً أضفاه البعض بشكل رجعي على المجتمع الذي أسّسه الرسول في المدينة.
أما فيما يتعلّق بالخلافة التي أقيمت بعد وفاة الرسول، والتي تمتّعت بلا شك بالكثير من مظاهر الحكم والدولة، فعبد الرازق يعتبرها دولة عربية صرفة ذات غايات سياسية وليس دينية، وأنها روجت لمصالح العرب وسلطانهم، في حين أن الإسلام دينٌ عالمي لا فضل فيه لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. عبد الرازق يشير إلى الطريقة التي تم بها اختيار أبي بكر كخليفة والمعارضة التي واجهها من طرف العديد من الصحابة، كبعض الأنصار الذين رفضوا بالأساس فكرة وجود حاكم موحد للمسلمين، مطالبين المهاجرين بأن يكون “أميرٌ منا وأميرٌ منكم.” برأي عبد الرازق تظهر هذه النقاشات والاعتراضات أن الطبيعة الدينية للخلافة لم تكن في بال أحد، بما فيهم أبو بكر نفسه، وأنها مجرد حكومة دنيوية (مُلك) لا تعتبر معارضتها معارضةً للدين.
يشرح عبد الرازق الأسباب التي جعلت بعض الناس يضفون طابعاً دينياً على الخلافة، فيذكر منها اللقب الذي اتّخذه أبو بكر، أي “خليفة رسول الله”، والذي يُلمّح عبد الرازق إلى أن الغاية منه إضفاء شرعية على حكم أبي بكر في مواجهة القبائل الثائرة ضده، وذلك بربط سلطته بسلطة الرسول، على الرغم أن الأخير لم ينصّ على خليفةٍ له. تسمية “حروب الردّة” سببٌ آخر يورده عبد الرازق لإضفاء البعض طابعاً دينياً على خلافة أبي بكر. فالقبائل الثائرة على أبي بكر لم تكن جميعها مرتدة، حيث أن العديد منها استمرّ بالإقرار بالإسلام ولكنه رفض الإذعان لسلطة أبي بكر بدفع الزكاة له. برأي عبد الرازق فأن الغاية من هذه الحروب (سواء كانت ضد مرتدّين أو مسلمين رافضين لمبايعة أبي بكر) دنيوية سياسية بحتة، ولكن وجود مرتدين بين المنتفضين وتسميتها جملةً بحروب الردة أعطاها طابعاً دينياً.
عبد الرازق يختتم كتابه بالتأكيد بأن الطابع الديني للخلافة أمرٌ أشاعه السلاطين والحكام لتبرير حكمهم واتخاذ الدين “دروعاً تحمي عروشهم” وأنه ليس من الإسلام في شيء. برأيه ليس هناك شيء يمنع المسلمين من اتخاذ أنظمة الحكم التي أتت بها علوم السياسة والاجتماع والتجارب السياسية التي أقامتها الشعوب الأخرى في أي مكان.
يشكّل كتاب الإسلام وأصول الحكم علامة فارقة في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي في القرن العشرين، وقد اعتبره العديدون النصّ المؤسس لما يمكن تسميته بـ “العلمانية الإسلامية“، أي فصل أنظمة الحكم عن الدين بناءً على تبريرات ومقومات من صميم العقيدة والتاريخ الإسلاميين. وهذه بالمناسبة ليست حالة فريدة في تاريخ الأديان، فالعلمانية في الولايات المتحدة الأمريكية قامت بشكلٍ جزئي على تبريرات وأسس دينية. عزيز العظمة يؤكّد أيضاً أن كتاب عبد الرازق من جهة قد نفى صفة الكمال عن التاريخ الإسلامي الأول وأبرز عدم إمكانية استخدامه كمبرر لأشكال الحكم التي يطرحها الإسلام السياسي. ولكن من جهةٍ أخرى فقد أظهرت الحملة الشعواء التي شنّتها عليه المؤسستان الدينية والسياسية في مصر (إضافةً لتلك التي تعرّض لها كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي الصادر في العام التالي) “نكوص الفكر الإصلاحي” وتآكل الليبرالية المصرية في وجه تيارٍ لاعقلاني شعبي وفكري سخّره الحكّام لحماية مصالحهم (العلمانية من منظور مختلف، الطبعة الثالثة، ص 228-236). وقد ظهر ذلك في استخدام الإعلام المصري لما يسمى بمعجزة ظهور العذراء بعد هزيمة عام 1967 (والتي سيتم تناولها في جلسة لاحقة) وفي سياسة السادات لأسلمة المجتمع المصري.
النص الثاني مأخوذ من كتاب الدولة الإسلامية، الصادر عام 1953 لعالم الدين الفلسطيني ومؤسس حزب التحرير الإسلامي تقي الدين النبهاني (1914-1977)، وهو أيضاً من خريجي الأزهر. يتحدّث النبهاني في هذا النص عن ظروف إلغاء الخلافة العثمانية عام 1924 من وجهة نظره.[1] حسب النبهاني، كانت القوى الغربية تحلم بالقضاء على الخلافة منذ الحروب الصليبية وأن الفرصة جاءتها عن طريق أتاتورك، الذي كان عميلاً للبريطانيين على حدّ زعمه، فضلاً عن عدد من العلماء المسلمين الذين نشروا دراساتٍ تبرّر ذلك (في إشارة محتملة إلى عبد الرازق). بالنسبة للنبهاني كل ما كان يحدث في العالم الإسلامي في ذلك الوقت عبارة عن مؤامرة كبرى تتحكّم بريطانيا وغيرها من القوى الاستعمارية بخيوطها. حتى إعلان أتاتورك الجمهورية التركية بعد هزيمته خمس جيوش غربية في حرب الاستقلال التركية تمّ بنظر النبهاني بإيعازٍ من البريطانيين بهدف عزل الأتراك عن بقية العالم الإسلامي.

تقي الدين النبهاني (المصدر: ويكيبيديا)
يعتبر النبهاني أن الاستعمار لم يكتفِ بإلغاء الخلافة بل عمد أيضاً إلى شنّ حربٍ فكرية عليها كي ينزعها من نفوس المسلمين بعد أن نزعها من أنظمتهم السياسية، فنشر أفكار فصل الدين عن الحياة العامة وثبّتها في المجتمع من خلال إقامة نظام تربوي قائم على تبجيل المعارف الاستعمارية (من قبيل علوم الاجتماع والسياسة والنفس) على حد تعبيره. كما يهاجم النبهاني النخب الثقافية في العالم الإسلامي، والمؤلفة من أحزاب وطنية علمانية تبعد الدين عن الحياة العامة، وحركات تكتفي بالعمل الدعوي على المستوى الاجتماعي والأخلاقي بعيداً عن السياسية. النبهاني يعتبر أن لا فصل بين الدين والدولة في الإسلام، فالدولة جزء من نظام شامل هو الإسلام، ومفاهيم الديمقراطية أو الوطنية أو القومية بدع غربية استعمارية هدفها تقويض دعائم قيام أي دولة إسلامية. في الحقيقة يضع النبهاني جميع الإصلاحات السياسية والقانونية والتربوية التي حدثت في العالم الإسلامي خلال المئة عام السابقة في إطار المؤامرات الاستعمارية المنفّذة من قبل عملاء الغرب. فتشكيل محاكم نظامية (مدنية) في الدولة العثمانية في عهد التنظيمات وتقنين الشريعة الإسلامية codification على صورة قوانين مبوّبة لا يخرج عن تصوره المؤامراتي هذا.
بشكلٍ عام نص النبهاني عبارة عن كلام إنشائي مسترسل خالٍ من أي استشهاد بمصادر موثّقة أو حجج مقنعة. في الحقيقة يمكن إيجاد العديد من النصوص ذات التوجه الإسلامي التي تقدم طرحاً أكثر تعقيداً وأفضل حجةً. كما أن حزب التحرير الذي أسسه النبهاني لم يحقق نجاحاً سياسياً يذكر في أي بلد إسلامي. مع ذلك فقد انتشر تصوره الخيالي المثالي عن الخلافة الإسلامية والمؤامرات “الصليبية” المزعومة لمنع قيامها من جديد، حتى أصبح ينظر إليه من قبل البعض على أنه ممهد نظري لداعش، يتشارك معها في جميع أفكارها باستثناء اللجوء إلى العمل المسلّح، مما دعا البعض إلى إطلاق تسمية “داعش البيضاء” على حزب التحرير في سوريا.
المحاضرة:
المحاضرة في هذه الجلسة تعرّضت لنشوء الطائفية في سوريا ولبنان، النص الأول كان عبارة عن تسجيل لمحاضرة بعنوان “اختراع الطائفية في الشرق الأوسط الحديث” ألقاها أسامة مقدسي—أستاذ الدراسات العربية في جامعة رايس—في مؤتمر استضافته جامعة جورج ماسون في أبريل/نيسان العام الماضي. في المحاضرة يتساءل مقدسي عن الأسباب التي تجعل الصحافة وصناع القرار الغربيين (أو العرب) يستحضرون التاريخ الديني القديم للشرق الأوسط كلّما وقع حادث طائفي فيه، على عكس الغرب حيث قلّما يعود الحديث عن العنصرية أو العنف الأهلي هناك—وهو ليس بالقليل—إلى ما قبل القرن التاسع عشر. السبب في ذلك، برأي مقدسي، هيمنة خطاب يجعل من الطائفية طابعاً جوهرياً أصيلاً في ثقافة الشرق الأوسط، والذي غالباً ما يتم تشبيه ببركان طائفي قابل للانفجار في أي لحظة. مقدسي، على العكس من ذلك، يعتبر الطائفية في الشرق الأوسط، مثل العنصرية في الغرب، حالة سياسية-اجتماعية نتجت عن ظروف تاريخية موضوعية مرتبطة بالانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث.
تسجيل لمحاضرة أسامة مقدسي التي ألقاها في جامعة جورج ماسون في أبريل/نيسان عام 2016 حول الطائفية في الشرق الأوسط
برأي مقدسي فإن التحول الذي وعدت به التنظيمات العثمانية من نظام الملل إلى المساواة بين رعايا السلطنة لم يكن بالعملية البسيطة، فقد تزامن مع العديد من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، الاضطرابات السياسية الداخلية، والتدخلات الغربية في مجتمعات الشرق الأوسط المتعددة الأديان، والتي ساهمت جميعاً بنشوء بعض التوترات الأهليلة ذات الطابع الطائفي. فمذابح المسيحيين في جبل لبنان عام 1860 (والتي امتدت إلى دمشق لاحقاً) لم تكن نتيجة صراع ديني تاريخي بين الدروز والمسيحيين (أو بين المسلمين أو المسيحيين)، بل نتيجة لجملة عوامل منها تفكك النظام الإقطاعي القديم في لبنان والاضطرابات السياسية الداخلية في الدولة العثمانية متضافرةً مع التدخلات الاستعمارية المتكررة. مقدسي يؤكد أن هذه الأحداث لاتعكس الطابع العام للحياة الاجتماعية في الشام والعراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي تميزت ببروز ثقافة مدنية وحالة من التعايش السلمي بين الطوائف المختلفة (مسلمة، مسيحية، ويهودية)، على عكس الحالة في الأناضول والبلقان اللتان كانتا مستعرتين بالعنف القومي والطائفي. مع أن مقدسي يحذّر من إرجاع الطائفية إلى سياسة فرّق-تسد الاستعمارية فحسب، إلا أنه يؤكّد أن التدخلات الغربية قد أعاقت تطور تلك الثقافة المدنية العثمانية وساهمت في خلق كيانات سياسية طائفية ذات تبعيات استعمارية. فأول نظام محاصصة طائفي في لبنان تم تأسيسه عام 1861 بضغط من القوى الغربية، بعد خمسة أعوام فقط من صدور فرمان عام 1856 الذي وضع مبادئ لتحقيق المساواة بين رعايا السلطنة بغض النظر عن العرق والدين.
النص الثاني من المحاضرة تحدّث عن محاولات فرنسا استنساخ نظام التقسيم الطائفي اللبناني في سوريا من خلال تقسيم مواطنيها إلى كيانات دينية-طائفية. وايت يعتبر أن هذا التقسيم لم يكن حتمياً، بمعنى أن الفوارق بين المواطنين السوريين لم تكن دينية فحسب، بل وجدت أيضاً فوارق عرقية ولغوية، وبالتالي كان بإمكان فرنسا الاعتراف ببعض المجموعات القائمة على العرقية أو اللغة (كالشراكس والأكراد والأرمن) ككيانات سياسية. السبب في عدم قيامها بذلك ليس عدم مطالبة قيادات تلك المجموعات بالاعتراف بها سياسياً، ولكن: أولاً رغبة فرنسا في الحفاظ على مصالحها في لبنان ككيان قائم على أساس طائفي مرتبط بها بشكلٍ وثيق؛ ثانياً: الفهم الأوروبي الاستشراقي للمشرق العربي ولنظام الملل العثماني على أنه فسيفساء من المجتمعات الدينية المنعزلة عن بعضها البعض والتي لا يمكن بأي حال أن تخضع هويتها الدينية لهوية وطنية جامعة.

الدويلات الطائفية التي أُنشأت أثناء فترة الانتداب الفرنسي لسوريا (المصدر: ويكيبيديا)
ردود فعل مكونات المجتمع السوري على نظام المحاصصة الفرنسي كانت متنوعة بحسب وايت. فالسنة العرب شكّلوا عماد التيار الوطني الذي رفض أية محاصصة طائفية، في حين أن السنة غير العرب (كالأكراد والشراكس) طالبوا بالاعتراف بهم كأقليات في سوريا ولكن دون نجاح. الأقليات المسلمة كالعلويين والدروز والإسماعيلية تنوعت مواقف قادتهم بين مؤيد ومعارض لهذا النظام، الأمر الذي يعلّله وايت بعدم كونها ملل معترف بها أيام العثمانيين وبالتالي لم يكن قد تشكّل لها وعي “أقلّوي” بعد. في النهاية رفض أغلب قادة هذه المجموعات النظام الطائفي وانضموا إلى الحركة الوطنية السورية. أما بالنسبة للمسيحيين فوايت يعتبر أنهم كانوا الأكثر أهليةً للاستفادة من هذا النظام والاندماج به، بسبب كونه مبني على نظام الملل العثماني الذي عايشوه طوال قرون. من الملاحظ في هذه المقالة أن وايت، وإن كان قد بيّن أن هذا النظام الطائفي قد شكّله الفرنسيون على هواهم وليس السوريون، إلا أنه لا يرى وجود خطاب سوري وطني حقيقي، فقد اختزله إلى خطاب للأغلبية تريد به التغطية على وجود الأقليات وحقوقهم، وأن أبناء الأقليات الأخرى الذين تبنّوا هكذا خطاب، فيما يستشف من مقالته، كانوا غير “صادقين” في وطنيتهم، وذلك جرياً على التفسير الاستعماري الفرنسي الذي كان يعتبر الوطنية السورية حكراً على العرب السنة.
الجلسة القادمة ستتناول نشوء القومية العربية وعلاقتها بالتيارات الفكرية والسياسية الأخرى كالإصلاح الإسلامي.
[1] بالنسبة للنبهاني والكثير من المسلمين وغير المسلمين على حدٍّ سواء، فإن الخلافة الإسلامية بقيت مستمرة متصلة منذ أبي بكر حتى عبد المجيد الثاني الذي عزله أتاتورك عام 1924. ولكن الحقيقة غير ذلك، فبغض النظر عما يُسمّى بالخلفاء العباسيين في القاهرة في عهد المماليك، والذين ربما لم يملكوا سلطة تغيير الحرس على أبواب منازلهم، فإن السلاطين العثمانيين لم يتبنّوا لقب خليفة بشكل فعلي حتى القرن الثامن عشر، والذي تصادف مع بداية تراجع الدولة العثمانية عسكرياً أمام القوى الأوروبية. بعبارةٍ أخرى، عندما كانت السلطنة العثمانية في أوج مجدها لم يجد السلاطين حاجةً للقب الخلافة و”بريستيجها”. أنظر المقالة التالية:
Karateke, H. T. (2005) „Legitimizing the Ottoman Sultanate: A Framework for Historical Analysis“ in The Ottoman Empire and its Heritage, Brill, p. 13-54.
[…] الجلسة القادمة ستتناول قضية الخلافة من وجهتي نظر مختلفتين تماماً، الأولى لعلي عبد الرازق الذي قال بأنها مؤسسة سياسية لا دينية، والثانية لتقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير، الذي اعتبر قيامها فرضاً على المسلمين جميعاً. المحاضرة ستتناول قضية الطائفية في سوريا في ظل الاستعمار الفرنسي. […]